الثلاثاء، 4 يونيو 2013

حامل لواء الذات القائم بحق حمد الله المهدي 29



- 29 -

عمران بيت المقدس خراب يثرب - حقائق الختم المجذوب -


لبسم الله الرحمن الرحيم

عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
((عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة وخروج الملحمة فتح قسطنطينية وفتح القسطنطينية خروج الدجال))

رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن وابن أبي شيبة في المصنف والبغوي في شرح السنة والطحاوي في شرح مشكل الآثار. وقال الحافظ ابن كثير في النهاية : (وهذا إسناد جيد وحديث حسن وعليه نور الصدق وجلالة النبوة).

قلتُ هذا الحديث لهُ دلالتهُ الظاهرة وهي ترتيب الأحداث في آخر الزمان حتى يخرج الدجّال. بدْءًا بعمران بيت المقدس وهو عهد الخلافة المهدية المقدّسة، ينتجُ عنها ويليها خراب يثرب (المدينة المنوّرة) ، ويلي خراب يثرب خروج الملحمة الكبرى المذكورة في السنن وكتب أهل العلم والحديث، ثمّ يلي الملحمة الكبرى فتح القسنطينية وقيل بعد ستة شهور أو سبعة من الملحمة تفتحُ القسطنطينية ، وبعد فتح القسطنطينية الكبرى بسبعة عشر يوما يخرجُ الدجال. كذا روى علماء الحديث وأهل العلم والله أعلم.

فهذا هو ظاهر الحديث النبويّ الشريف، أمّا باطنُهُ فشيءٌ عظيمٌ، ذكرَ فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سيرة سلوك المجذوب، ومراحل الطريق لله سبحانه .. وسوف نوضّح هذه الحقائق إن شاء الله تعالى. توافقاً مع هذا الموضوع المفتوح لهذا الغرض في تبيين حقائق الظواهر والمنازل. وتبيين أنّ سيرة المهدي هي سيرة ذاتيّة تجسّدت أحداثاً على الأرض .. ومن فهمها على حقيقتها ودلالاتها الروحية والمقاصدية والسلوكية فهم حقيقة الطّريق ومراحله.

فقال صلّى الله عليه وسلّم : (1) عمران بيت المقدس خراب يثرب. فعمران بيت المقدس : هنا تعني هي الجذب وبداياته أي الفناء في الذات العليّة إذ ينزلُ الرّوحُ إلى الأقصى أي أنّ روح المهدي المجذوب وقع لها الجذب ودخلت الحضرة القدسيّة (حضرة الرّوح الأعظم)، وهذا الجذب كان كاملاً ما مثّلَهُ سوى الرّوح بنفسه، وهذا الرّوحُ هو ذاتُه الإمام المهدي بعد البيعة والظهور، لذلك تعمُرُ بيت المقدس إذ تصيرُ عاصمة الخلافة كما هو معلوم. فسببُ كونها عاصمةً جعلها تعمُر وتُقصَدُ من كلّ أرجاء وبقاع الأمّة .. فهناك الإمامُ المهدي عليه السلام خليفة الله. وكلّ كاملٍ يقعُ لهُ الجذب لحضرة الرّوح، لأنّه روحُ أهل الكمال جميعهم فهو المسمّى بالحقيقة المحمديّة التي أوّل ما خلق الله وظهرَ فيها بذاته.
قال صلّى الله عليه وسلم : ((أوّل ما خلق الله رُوحَ نبيّك يا جابر ثم خلق العرش منه ثم خلق العالم بعد ذلك منه)). فهو روح النبيّ سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم الذي ظهر الله فيه بذاته. فلمّا كان المهدي المجذوب شمس المغرب فقد كانت الشمسُ جارية في عرشه بذاتها، لذلك كان هو الخليفة الرّوح بذاته النّازل في بيت المقدس. وانعكستْ سيرته الباطنة على الظاهر. قال الشيخ الأكبر : ((لم تزل الشمس جارية من المشرق إلى المغرب بغيرها ومن المغرب إلى المشرق بنفسها)). فتأمّل فهنا طلعَ الرّوح في سماء المجذوب، فكانَ هو عينُه الشمس والروح بعد كماله لا غير. روح أهل الكمال التي كانت شمسهم عاكسة لا ذاتية، أي جارية بغيرها. فافهم فإنّه ما طلعت الشمس من مغربها كحدث كونيّ إلاّ في آخر الزمان وفي ذلك آيةٌ للمتوسّمين، أنّ هذا الخاتم هو الشمس الذاتية التي كان يطلعُ بها غيرُه طوال فترة الدّنيا.


فقلنا هذا الجذب ونزول الرّوح في بيت المقدس سبّبَ عمرانها.
وهذا العمران في بيت المقدس ومنزل الرّوح (حضرة القدس) إذا اشتدّ تسبّبَ في نزوحِ النّاس من يثرب (مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) وهنا في الحقيقة : يُعطي حقيقة الطريق أنّ الجذبَ والفناء في الحضرة الأحدية قد تقدّمَ عند المجذوب، فمتى صارَ العبدُ فانياً في الله سبحانه فهو معدومٌ لذلك لا يُعتدُّ إلاّ بمن عاد إلى البقاء : فالفناء هو : لا إله إلاّ الله وهو الجذب. والبقاء هو: محمّد رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) وهو السّلوك.

فما عادَ العبدُ يسَعُهُ سوى الله سبحانه، فهو فانٍ عن الخلق والوجود، فلا يرى سوى الواحد الأحد سبحانه، لذلك يقعُ خراب يثرب (مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) لأنّ الخلْق ما ظهروا وما تعيّنوا وما خرجوا للوجود إلاّ به صلّى الله عليه وسلّم فهو صاحبُ حضرة الأكوان ومجلى استواء الرّحمن سبحانه. فافهم. وهذه حقيقةُ الفناء وهذه مرحلةٌ يمرُّ بها جميعُ أهل الكمال. وإلاّ فلن يصحّ فناءهم في الله سبحانه. فالفناء هو الإستغراق الكلّي والاستهلاك إلى آخره فلا يبقى فيه بقيّةٌ قليلة أو كثيرة تسعُ غيرَ الله سبحانه.

فيكونُ العبدُ مجذوباً فانياً في ذات الله ويغيبُ عن الخلق أجمعين ... حتى غاب عن صاحب حضرة الأكوان صلّى الله عليه وسلّم، فوقع خراب يثرب نتيجةً لهذا الفناء في ذات الله وحضرته الأحدية .. وهذا جذب عظيمٌ وتامٌّ يُبيّنُ عن حقيقة المجذوب الختم.
فانظُرْ فإنّ سيرة الختم المجذوب لا تُسْقِطُ قبابَ الأولياء والصالحين في الأرض وتهدمُها فقط، بل تخرِبُ مع ظهور هذا الوليّ الذاتيّ يثرب مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي ذلك آيةٌ أنّ صاحب الذات والحضرة الأحدية قد ظهرَ، فما بقِيَت قبّةٌ ولا حتّى مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقيتْ عامرةً. فعمرتْ بيت المقدس منزل الرّوح وخربت يثرب. (ونفتحُ هنا قوساً في ما يحدثُ من هدم لقبابِ الصّالحين، فهو في الحقيقة عملٌ تخريبيّ مضادٌّ لتعظيم الصّالحين ومضادٌّ لرسالة الإسلام التي جاءت بالرّحمة ولمّ الشمل وتوحيد الصّفوف وما جاءت بالقتل والتفريق وترهيب المسلمين والمسالمين، فالتيّار الذي يحملُ هذا التوجّه التدميري باسم التوحيد تيّارٌ بعيد عن روح الإسلام ورسالته وسماحته، فليُحرّر. وإنّما قلنا تُهدمُ قبابُ الصّالحين من آثارِ هذا المجذوب القطب، لأنّ الحقائق تُعطي ذلك، ألا ترى أنّ يثرب هي مدينة النبيّ صلّى الله عليه وسلم ومع ذلك خربت بتصريح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وذلك لما نذكرُهُ من حقائق فناء هذا العبد عن الخلق في الخالق سبحانه فسقطت القباب كما خربت يثرب مدينة خير خلق الله صلى الله عليه وسلّم. فافهم).



فقد عبّرَ هذا العمران لبيت المقدس مع الوقتِ على عمران المجذوب بالحقائق وطيّه لمراحل الطّريق، فتجاوز العصابة اليثربية وفنى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنى في الله سبحانه. وهذا الفناء في الله هو عين عمران بيت المقدس.


فإنّ السّالك إلى الطّريق يبدأُ بالفناء في شيخه فيقودُه ذلك للفناء في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والفناء في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقودُهُ إلى فتح مكّة وتطهيرِ كعبته من أصنامها وشركها، والكعبة هي رمزُ القلب. فإذا طهّر محمّدُهُ (شريعته وطاعاته) قلبَه الذي هو رمز كعبته من أصنام الهوى والسّوى ينفتحُ على قلب السالك نافذةٌ إلى الرّوح، وتبدأُ هناك مرحلة الإسراء الرّوحيّ، من المسجد الحرام (القلب) إلى المسجد الأقصى (الرّوح)، إلى بيت المقدس مكان الرّوح لذلك سمّي الأقصى إشارةً كما قال العارفون إلى بعده المكانيّ عن الجسم. وبالرّوح يقعُ التعرّف الحقيقيّ على صفاتِ الله تعالى ويقعُ العروج الذاتيّ إلى سدرة المنتهى بعد ذلك كما عُرِجَ بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم.



* (2) فلمّا اشتدَّ الجذبُ والفناءُ تلى خراب يثرب : خروج الملحمة الكبرى، التي نقض فيها الرّومُ العهد وجمعوا ثمانين رايةً فما من نصرانيّ يؤمنُ أنّ دينه حقّ إلاّ جاءَ يُقاتِلُ عنه ، ونزلوا على سواحل الشام وأحرقوا السفن على نيّة النّصر أو الموت .. واجتمع المسلمون من سائر الأقطار ورجال المهدي وأقاموا فسطاطهم عند الغوطة قرب دمشق. ثمّ وقعت الملحمة الكبرى في ثلاثة أيام أو أربعة كما هي معروفة واستشهد فيها من المسلمين الثلث وهم أفضل الشهداء عند الله بنصّ الحديث الشريف المرويّ في صحيح مسلم، وانسحب الثلث فراراً وتوليّاً وهؤلاء لا يتوب الله عنهم، وبقي الثلث وهؤلاء لا يُفتنون أبداً بعد ذلك، وينتصِرُ المسلمون في اليوم الثالث أو الرابع بعد موت الثلث وانسحاب الثلث وقول النّصارى دينُنا هو دين الله وهو الدين الحقّ فيغضبُ الله منهم ويقعُ النّصرُ للمسلمين ويأتي الفتحُ المبين. وتُسمى هذه الملحمة مأدبة الطير والوحوش والسباع لأنّه لا يدفنُ فيها مسلم ولا كافر بل تبقى الجثتُ مأدبة للهوام والسباع والطيور.


*وحقيقة هذه الملحمة ودلالتُها : عند اشتدادِ الفناء والجذب هي أوحالُ التوحيد التي يقعُ فيها السّالكُ : لأنّ حقيقة النّصارى أنّهم وقعوا في أوحال التوحيد بقولهم بالتثليت. فما وحّدوا الله سبحانه بل أشركوا وعدّدُوا وثلّثُوا تعالى الله عمّا يشركون، لذلك نزلت {قل هو الله أحد}. حضرتُه سبحانه أحدية لا إله إلاّ هو وحده لا شريك له. والكلُّ أقمارٌ ونجومٌ من نور الشمس الذاتية.
وهنا دلالة على أنّ المجذوب طوى هذه الأوحال بوقوع الملحمة وخرجَ منها موحّداً نقيّاً عارفاً بالحقيقة على مُرادها، متحقّقاً بمعنى وحقيقة قوله تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
ولذلك كانت الملحمة الكبرى شهداؤها أفضلُ الشهداء عند الله تعالى لأنّها وقعتْ في عالم الحقائق من أجلِ إخلاص التوحيد والتفريد لله سبحانه، فكانت أجلّ الملاحم وأعلاها وشهداؤها أفضلُ الشهداء عند الله تعالى كما وصفهم الحديث النبويّ الشريف الصّحيح. وفي حديث شهداؤها يشفعُ الواحدُ منهم في سبعمائة من ذويه وهذا أعلى الفضل وأسناه وعند الله المزيد : قال سبحانه وتعالى {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(261)}. سورة البقرة. فمَثَلُ المنفق روحَهُ في سبيل الله أن يجازيه الله تعالى يوم القيامة والجزاء أن يشفع لسبعمائة روحٍ فضلاً من الله ونوالاً والله واسعٌ عليم.

* (3) ويلي الملحمة الكبرى فتح القسطنطينية : وقيل هي القسطنطينية الكبرى المسمّاة روما .. فالحاصلُ أنّ المهدي وجيشه بعد الملحمة الكبرى يسهلُ عليهم غزو الروم وفتح المدائن. فيفتحُ أغلبها بعد الملحمة بالتكبير والتهليل والتحميد وبدون قتال ولا حرب ولا مواجهة ومعه سبعون ألف من أصحابه وأتباعه. حتى يصِلَ الى روما ويفتحها بالتكبير والتهليل من غير حربٍ. فإذا فتحها فهناك تمّ للمجذوب فتح دائرة القلب وهي آخر الدوائر وهي كنيسة النّفس.

وهناك أي في مقام فتح دائرة القلب وكنيسة النّفس، فإنّ الفناءَ يتمُّ للمهدي والجذب، وتبدأُ رحلة عروجه بلقاء الرّوح لقاءً أوّليّاً
، ثمّ تبدأُ مواجهتهُ مع الدجّال وجهاً لوجه، فحينَ تفتحُ دائرة النّفس فإنّك تجدُ ذاتك في مواجهة من كان وراء النّفس متسبّباً في نزغاتها وإغوائها، وهو الشيطان في أقوى حضوره وهو إبليس في دائرة النّفس والمعبّر عنه سامريّ النّفس الذي هو الدجّال في دائرة الكثافة والبشرية.

* (4) لذلك يخرجُ الدجّال مباشرةً بعد فتح القسطنطينية
.. ويعتصِمُ الرّوح (المهدي) في بيت المقدس، وتنتهي دولة العزّ والسّيف، وتبدأ رحلة العروج السّماوي عند المجذوب فتقعُ المواجهةُ بين المهدي والدجّال وجهاً لوجه (المهدي المجذوب وإبليس). هناك تبدأُ رحلة المهدي في العروج إلى الحقائق والعرفان لأنّه تجاوز القلب إلى لقاء الرّوح -عروس الحضرة- ولكن لقاءً غير كاملٍ .
ويخرجُ سامريّ نفسه فاتِناً مفسداً. وتظهرُ فيه الأضداد هذه المرّة بقوّة منازلها لأنّهُ في مرحلة العروج والعرفان إلى عالم الحقائق الذاتية التي يعجزُ عنها غير العارف بالله، بل غير العالم بالله .. فيظهرُ بدجّال لا يعبأ ولا يعيا يجولُ في النّفس ويدخل جميع المدائن إلاّ مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومكّة المشرّفة المعصومتين كنايةً على عصمةِ المهدي، وكنايةً أنّ الدجّال مبتور الوصل الذاتيّ فليس له صلةٌ بروح القدس عند منعه عن مكّة فهوغير ذاتيّ وغير ربّانيّ وليس له صلة بالأخلاق والقيم الإنسانية والإلهية عند منعه من المدينة المنوّرة على صاحبها افضل الصلاة وأزكى التسليم لأنّ الحضرة المحمدية هي حضرة السّلوك والأخلاق والقيم، لذلك كان دجّالاً يدجّلُ الحقّ بالباطل، ويزوّرُ الأخلاق ويفرغها من قيمها ويفسدُ باسم الإصلاح، فاحذر فآخر الزّمان يظهر فيه التدجيل في أعلى دوائره كما ذكرنا مثال الذين يقتلون النّاس ويهدمون القباب ويفجّرون الأبرياء باسم الدين والجهاد والأمور المقدّسة، فهذا هو التدجيل، هو تلبيس الحقّ بالباطل، فاحذر من يخرجُ حاملاً لواء الدجّال وهو يحسبُ أنّه ممّن يحسنون صنعا. أولئك هم الخاسرون والمفسدون.


قلنا فيعجزُ الدجّال عن دخول مكّة المشرّفة والمدينة المنوّرة المقدّستين وكذا مقام المهدي الروح في بيت المقدس حيث يعجزُ الدجّال أن يدخلها ويُلاقي أشدّ الهزائم وأفتكها على أسوارها وأطرافها من طرف المهدي وأعوانه. فقلنا يظهرُ المجذوب بحضرتين : يظهرُ بالدجّال النّفسيّ ويظهرُ بالرّوح المهدي الإمام وعلمه الكامل في المراتب والمشاهد عموما لا التفاصيل. وهو طوال مسيرة جذبه جامعٌ بين الأضداد ولكن حسب رتبها ومنازلها، وعند مرحلة العروج وخروج الدجّال تظهرُ فيه أقطاب الأضداد : الدجّال والمهدي. فالمهدي هو إمام الأئمّة وحامل لواء الحقّ سبحانه والدجّال هو إمام الضلالة والشرّ والباطل. فيتجاوز المجذوب جميع الحقائق الحقيّة والخلقية والمداخل الشيطانية في تلك المواجهة الكبرى بينه وبين إبليس. وهي أكبرُ فتنةٍ تتجلّى على الأرض والبشريّة. لأنّ السّامريّ ليس لهُ فترةٌ يحكمُ فيها إلاّ هذه الفترة وهو رجلٌ خارقٌ يظهرُ بقوّة تُضاهي معجزات الأنبياء عليهم السّلام، بالسّحر وأعوانه من العفاريت والشياطين وبرزخيته فهو هجينٌ بين الإنس والجنّ. فينقُضُ ما جاءَ به الأنبياء من المعجزات التي ظهروا بها كما قال الشيخ الأكبر، لذلك كان أكبر فتنةٍ في التاريخ. وهو استمدّ هذه القوّة في عالم الحقائق، لأنّه كان ظهورره من عالم الحقائق طوال رحلة الأطوار والخلافة الإنسانية فكان لزاماً أن يظهر هذا الدجّال الذي هو صورة الدّنيا وأسبابها وعلمها الماديّ منقطعة عن حضرتها الذاتية وغير ممدودةً بروح قدسها ورحمانيتها التي أقامَ الله عليها الدّنيا فهو عكس الرّحمة وعكس الجمال والأخلاق والفطرة، والذي هو اي الدجّال صورة التجلّي النّفسيّ كما كان إبليس إمام وقطب التجلّي النّفسي والطبائعي والعنصريّ الظلمانيّ كان الدجّال صورة هذا التجلّي النّفسي الإبليسيّ في ثوب البشريّة، فخرج مدّعياً للرّبوبية كذّاباً محتالاً دجّالاً. وظهرً في قطبية المجذوب بحكم صورة المجذوب الموافقة صورة العين والذات الأصلية المتجليّة بالأضداد، وفي ذاتِ الوقتِ طبيعة جسم وعرش المهدي المجذوب الإسرائيليّ الذي يصحّ له به الإسراء اللّيلي والإسراء إلى الله والرحلة إليه دون علم المخلوقات، فيخدعُ الدجّال، كأنّ المجذوب برنامج تحميلي لمشروع الدجّال ليحمله على عاتقه ثمّ يقعُ تطعيم هذا المشروع بروح القدس في عرش المهدي المجذوب فيموت الدجّال، وتشرقُ الأرض بنور ربّها، فافهم هذا المثال، فهو الذي يشرحُ لك طبيعة مهمّة المجذوب، وسبب خروج الدجّال أربعين يوماً. فهي الأربعين سنة قبل كمال المهدي عليه السلام.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم(( تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ، ثُمَّ تَغْزُونَ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ)). فهذا مصداقُ مسيرة المجذوب الذي يفتحُ الله له الأمصار ثمّ يفتحُ له الدجّال بلقاء الرّوح ونزول روح الله عليه السّلام. فافهم هذه الحقائق العظمى. فإنّ الحديث النبويّ الشريف لهُ هذه المداليل البعيدة التي تُعبّرُ عن هذه الحقائق.

فتتمّ رحلة المهدي بنزول روح الله عليه السلام فيُقتل دجّاله، ويخرج ياجوج وماجوج وهي مظاهر الانسلاخ من البشرية والتراكمات النفسيّة والخواطر النّفسية التي تهجم على القلب فتلتقمُه التقاماً عند نقطة ضعفه وعجزه الكلّي، فيحرّزُ سيّدنا المسيح عليه السلام عباد الله الى جبل الطور وهناك يقعُ التجلّي الذاتي للمهدي المجذوب .. وهو معنى تحريز العباد إلى جبال الطور. وموت ياجوج وماجوج وطهارة الأرض .. ويقتل الخنزير ويكسر الصليب. ويحكمُ الإسلامُ الأرض جميعاً وتذهبُ وحشيّة السباع والحيوانات فلا تبقى سوى السماحة والرحمة الكاملة. وذلك هو معنى نزول الرّوح الكامل والبقاء الذاتيّ وتجلّي الإسم الأعظم في الأكوان، فكانَ حكمُ روح الله المسيح هو بطونُ المهدي وتجلّي الوجود المنتظر الذي انتظرتهُ الأسماء وعلامةٌ على نهاية الدّنيا وزوالها بذهاب الخاتم الرّوح الخليفة. والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم كثيرا.

يتبع ...